أنور السادات: بطل الحرب والسلام

ميلاد زعيم من قلب الريف
في قرية ميت أبو الكوم الهادئة بمحافظة المنوفية، وُلد محمد أنور السادات في 25 ديسمبر 1918، ليبدأ رحلة استثنائية من بين صفوف البسطاء نحو قمة المجد السياسي والعسكري. عاش في بيئة متواضعة، وتعلّم معنى الوطنية والانتماء منذ الصغر. عشق العسكرية، فالتحق بالكلية الحربية، وهناك بدأت تتشكل ملامح القائد، الحالم بمصر قوية مستقلة، تنهض من تحت وطأة الاحتلال البريطاني وتسترد كرامتها.

كفاح مبكر ومواقف شجاعة
لم يكن السادات مجرد ضابط في الجيش، بل كان مناضلًا شارك في تنظيمات سرية مناهضة للاستعمار، ودفع ثمن ذلك بالسجن والعزلة، لكنه لم يتراجع. وعندما اجتمع مع زملائه الضباط الأحرار، كان هدفهم إسقاط النظام الملكي وبناء دولة وطنية حديثة. وفي فجر 23 يوليو 1952، نجحوا في تحقيق ثورة شعبية غيرت تاريخ مصر إلى الأبد، وكان السادات أحد أبطال تلك اللحظة الخالدة.

رئيس في زمن التحدي
بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1970، تسلم السادات الحكم وسط تشكك من النخبة السياسية، التي اعتبرته “رئيسًا مؤقتًا”. لكنه فاجأ الجميع بقرارات حاسمة، مثل التخلص من مراكز القوى في أحداث “ثورة التصحيح”، وإعادة بناء الدولة على أسس من السيادة الوطنية والحرية الاقتصادية، وبدأ يمهّد لطريق مختلف عن سلفه، يجمع بين الصرامة والتجديد.

حرب أكتوبر: معركة الكرامة
بلغت لحظة المجد ذروتها في 6 أكتوبر 1973، حين قرر السادات أن الوقت قد حان لاستعادة الأرض والكرامة. فقاد الجيش المصري لعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف، في واحدة من أعظم المعارك العسكرية في التاريخ الحديث. أعاد النصر الثقة للشعب المصري والعربي، وفرض على العالم احترام مصر كقوة يحسب لها حساب. لم يكن النصر عسكريًا فقط، بل كان أيضًا انتصارًا للذكاء والتخطيط والإرادة الصلبة.

السلام خيار الأقوياء
بعد الحرب، أدرك السادات أن الدماء لا يمكن أن تكون طريقًا دائمًا، وأن استقرار مصر ونموها الاقتصادي يحتاج إلى سلام عادل. فاتخذ القرار التاريخي بزيارة إسرائيل في 1977، في خطوة غير مسبوقة، وقف فيها يخاطب الكنيست الإسرائيلي باسم العرب. ونجح في التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، والتي أعادت لمصر كامل أراضيها في سيناء. وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي وُجهت له، خاصة من بعض الدول العربية، فإن قراره صنع لمصر سلامًا مستقرًا لا يزال قائمًا حتى اليوم.

استشهاد الزعيم وخاتمة تاريخية
في 6 أكتوبر 1981، وبعد ثماني سنوات من نصره العظيم، استُشهد أنور السادات خلال العرض العسكري على يد متطرفين رفضوا مسيرة السلام. كانت لحظة مؤلمة، لكنها خلّدت اسمه في سجل الأبطال. خرجت الجماهير تودّعه بقلوب دامعة، ووقف العالم بأسره أمام زعيم قاد بلاده إلى المجد، ثم دفع حياته ثمنًا لموقفه.

إرث خالد في الوجدان المصري
لم يكن السادات زعيمًا عاديًا، بل كان رجلًا قرأ لحظات التاريخ بعين ثاقبة، واتخذ قراراته بشجاعة لا يملكها إلا القادة الكبار. جمع بين عبقرية القائد العسكري ورؤية السياسي الحكيم، وبين بساطة الريف وأناقة الحكم. واليوم، ما زال يُذكر بكل فخر بوصفه “بطل الحرب والسلام”، الذي كتب لمصر صفحة مجيدة في سجل الأمم العظمى.

Add a review

Your email address will not be published. Required fields are marked *